"لقد ذهب سوهي لفترة أطول مما كنت أعتقد"، قلت لـ (لوسي).


"أتظنين أنه يخطط لشيء ما، لقد بدى غريباً بعض الشيء"، قالت لوسي.


لكنني قلت بلا حيلة: "لا أعلم، أتمنى أن يمر كل هذا بخير "٠


بعد مدة جاء والدا (لوسي) و ودعتني لترحل، فبقيت مع ذلك التوأم الذي ذكرتهما من قبل، حتى جاء المدير و قال :"تبقى ثلاثة طلاب فقط إذاً، فلتجهزوا أنفسكم و لتتبعوني سنوصلكم بأنفسنا إلى منازلكم"٠


جلست بجانبهما و قد كانا خائفين من العاصفة، لذلك قلت لهما :"لا تخافا ستعيدنا المدرسة لمنازلنا قريباً".


ظننت أنّ (جين) قد رحل و لم أره لذلك أمسكت الشقيقان من يديهما لنخرج من الصالة الرياضية و نذهب إلى السيارة، لكن أحدهما صرخ: " انتظري! هناك حقيبة طالب هناك بجانب سلة الكرات".


التفتت لأنصدم من أنها حقيبة (جين)، لذلك نظرت إلى الشقيقين و أخبرتهما :" اسمعاني لقد نسيت شيئاً، اسبقاني و سألحق بكما".


ثم خرجاً من الصالة و ذهبت لأبحث عن (جين) و أعرف ما خطبه.


بعد دقائق صرخ الحارس في الرواق بعدما جهز سيارة لأخذ المتبقين: " هل هناك أي شخص تُرك ورائنا لأننا سنعود إلى المنزل!".


لكني اختبئت بعد سماعه ليرحل بعدها، لذلك على الرغم من خرقي لقواعد المدرسة ذهبت للبحث عن (جين) في رواق الصفوف، و بعد بحث طويل فقد وجدته في إحدى الفصول جالسًا على أحد المكاتب الذي يطل على النافذة.


دخلت بهدوء و قلت: "(جين)، هل أنت بخـ-".


قاطعني بكلامه: "أنت على علم بذلك ، أليس هذا صحيحاً".


"ماذا تقصد، ماذا أعلم؟ "، أجبته باستغراب.


"أنا سأحصل على أخ، و ليس فقط أنت من كان على علم بذلك، كان الجميع يعلمون صحيح"، قال بحزن.


بدى و كأنه كان حزينا لأنه سيحظى بأخ و كل الإهتمام سينصب عليه، و يتم اهماله، انا لدي أخ صغير لذلك أعلم ما يحس به، هذا ما ظننته لكن هذا كان جزءً من الحقيقة.


قررنا بعدها الاستمرار بالإختباء لذلك جلست بجانبه، فقال لي:" أأخبرك بسر لي؟ "٠


" نعم، و لكن إذا كان هذا لا يزعجك"، قلت.


"سوف أهرب"، قام بإخباري.


ظننته كان يمزح لذلك سايرته في حديثه: "و لكن إلى أين ستذهب، و الأهم، كيف ستحصل على المال؟".


"سأصبح ملاكمًا" ،أجابني.


"لا يمكنك أن تكون جادًا، جسدك هشٌ جداً "، قلت له بسخرية.


"أنا أعلم هذا، و لكنني سأتدرب و بعد ذلك سوف أصبح أقوى و أقوى بما فيه الكفاية حتى لا أحتاج إلى مساعدة من الآخرين"، أجابني.


تنهدت و قلت :"(جين) ".


التفت لي و قال: " ماذا؟ ".


" ما رأيك فيّ؟"، سألته.


فنظر إلي بتعجب من سؤالي و قال : "أنا لا أعلم، أعتقد أنكِ ذكية جدًا، و أيضاً رياضية. و-".


لكني قاطعته: "خارج المدرسة، أقصد ما هي مشاعرك الحقيقية تجاهي؟".


نظر إلي و ردد بحزن: "أعتقد أننا متشابهان".


"ماذا تقصد؟ "، قلت بإستغراب.


نهض من مكانه و مشى باتجاه النافذة التي كانت تدخل رياح العاصفة و القليل من قطرات المطر، ثم نظر للخارج و قال: "في الحقيقة لم أخبر أحداً بهذا من قبل منذ وصولي إلى هنا".


ثم ت٠نهد ليستجمع شجاعته و قال :" الحقيقة أنّ والداي تطلاقا عندما كنت صغيراً لذلك لا اتذكر والدي جيداً و لحدّ الآن لم أقابل والدي الحقيقي" .


"و ماذا حدث لكما، أعني أنت و والدتك"، سألت بقلق ٠


التفت إلي و أجاب:" بعد طلاقهما بفترة لم تكن الأوضاع سهلة بالنسبة لنا، خصوصاً أنني كنت رضيعاِ آنذاك لذلك تزوجت والدتي رجل أعمال من أصول آسيوية كانت لديه صفقة عمل هنا في أمريكا لذلك انتقلنا للعيش معه هناك، أظن أنها لم تتزوجه من أجل الحب بل من أجل ثروته" ٠


توقف لأسأل ثانية: "أهذا كل شيء، إذاً كيف انتهى بكما المطاف بالعودة إلى هنا؟ ".


بدى حزينا عندما سألته ذاك السؤال لذلك أضفت:" أنا آسفة لقد تماديت في فضولي، لكن لا داعي للإجابة على أسئلتي إذا كان هذا يزعجك".


هز رأسه و قال :" لا مشكلة في ذلك، لقد أخبرتك أكثر مما كنت سأخبرك به في البداية لذلك لا داعي في إكمال القصة".


أغلق النافذة بعدما إشتدت الرياح ثم التقت إلي و أكمل:" عشت في آسيا حوالي العشرة سنوات، لكن حماية والدتي لي كانت شديدة لذلك لم تسمح لي بإقامة صداقات و بقيت في المنزل بعد ذلك، و من جهة أخرى اخبرتك أن زواج والدتي كان زواج مصلحة لذلك سرعان ما اكتشف زوجها الأمر بعد حملها بقليل، و تفاقمت الأمور بعدها لفترة لكن في نهاية العام الماضي تشاجرا شجاراً كبيراً ، فتطلقت والدتي مجدداً، و لم تجد إلى أين تذهب لذلك عدنا إلى أمريكا للعيش في منزل جدتي".


بعدها أحسست أنه أراد البكاء و قام بكبت ذلك لكنه أكمل بصوت أجهش: "و الآن هي تخطط للزواج مجدداً و الانتقال من هنا، لهذا لا أريد هذا الأخ أو أن تتزوج والدتي مجدداً و ننتقل، أريد فقط العيش بطريقة طبيعية".


أحسست حينها فعلياً بما كان (جين) يشعر به لقد كان على حق في قوله أننا متشابهان، فأنا أيضاً أردت فقط الاستقرار و تكوين صدقات كالآخرين و العيش بطبيعية، أحسست حينها بشعور غريب في صدري، شيء يعصرني في الداخل و يدفعني للبوح بحقيقتي لشخص غريب التقيته منذ فترة قصيرة.


حينها نهضت من مكاني و قلت مبتسمة: "في هذه الحالة ، هل يمكنني أن أخبرك بحقيقتي أو بالأحرى إظهارها لك؟".


استغرب مما قلت لذلك سأل :"ماذا تعنين بإظهارها لك؟ ".


ذهبت للجهة الأخرى من النافذة، و سحبت الزجاج ببطء و فتحته، و بدأ المطر يسقط على وجهي، ذلك المطر جعلني أفكر في (راين) ، وفيما قاله لي: "أنت ذئب ، و هذا ما ستكونين عليه دائمًا! ".


أدركت حينها أنه كان على صواب ، نعم أنا ذئب و هذه حقيقتي، و إذا كان ينبغي لأحد أن يعرف ذلك ، يجب أن يكون (جين)، لا أعرف لماذا و لكن شعوراً غريباً كان يدفعني للبوح له فقط منذ لحظة التقائنا.


أسدلت الستائر و بدأت الرياح تضربها و ذهبت في إتجاهي لتغطيني شيئاً فشيئاً، لأبدأ بعدها للتحول ببطئ إلى ذئب و (جين) ينظر إلي في كل غرابة، و لكن لم تبدو عليه تلك الدهشة.


إنتهيت للتحول إلى شبه مستذئب و نظرت إليه ثم سألت بخوف غير متأكدة ما سيكون جوابه :"إذاً، ما رأيك بي، عندما أكون هكذا؟".


صمت لفترة من دهشته لكنه ابتسم بعدها و قال: "كما قلت من قبل، أنا لا أكره الذئاب وهذا يعني أنني لا أكرهك ، أنت جميلة دائما (يوكينا) ".


صدمت مما قاله و هطلت المزيد من قطرات المطر على وجهي مما جعلها تبدو كما لو كنت أبكي، فقال سوهي بقلق: "(يوكينا) ! هل تبكين؟".


ضحكت و أنا أبتسم إبتسامة فقدتها منذ زمن.

، ثم هززت رأسي و قلت: "إنها ليست دموع أيها الأخرق، إنها مجرد قطرات مطر".


ضحكنا معاً في نهاية كلامي ثم صمتنا للحظة، تبادلنا أنا و هو النظرات للحظة ثم عدت لشكلي الطبيعي و قلت: "إسمع".


"ماذا؟ "، أجاب.


"هل كنت تعلم منذ البداية؟ "، سألت.


"كنت أعلم بماذا؟ "، قال بإستغراب.


"هل كنت تعلم بأنني أنا من آذيتك منذ البداية و ليس الذئب كما كنت تدعي؟ " ،سألت بصورة أوضح.


صمت للحظات ثم إبتسم و قال: "نعم لقد كنت أعلم منذ بداية عن كل شيء " ٠


ابتسمنا حينها و أخذنا لحظة لنا بمفردنا، ثم قاطعنا أحد الحراس بضوء مصابحه و قال :"أنتما ماذا تفعلان هنا! ".


علمت أننا في ورطة حينها لذلك قلت :"يا إلهي نحن في ورطة بسببك! "٠


"بسببي! أنت من تبعتني إلى هنا" ،قال معارضاً٠


" لأنني كنت قلقة بشأنك أيها الغبي! "، قلت لينظر (جين) إلي بدهشة لتحمر وجنتاي٠


ابتسم بعدها و قال :"هيا، لنذهب معاً" ٠


ثم مدّ راحة يده إلي لأمسكها، إبتسمت لحظتها و شعرت أن ذلك الإحساس الذي يأكلني من الداخل قد رحل و أصبح جوفي فارغاً، لذلك تركته و مشيت بضع خطوات ثم قلت:" عليك فعل أكثر من هذا لتنال مني "٠


2021/01/13 · 164 مشاهدة · 1210 كلمة
THE EAGLE
نادي الروايات - 2024